البابا شنوده الثالث: جسد العذراء مريم فى الملكوت ولا الفردوس

ترجمة

الاثنين، 30 مايو 2016

جسد العذراء مريم فى الملكوت ولا الفردوس

الثلاثاء 30-05-2016| 07:50م
الأنبا غريغوريوس،
 الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمى والدراسات القبطية

الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمى والدراسات القبطية، الذى رحل قبل نحو 14 عامًا، يمثل أحد الأعمدة الكبرى فى تاريخ الكنيسة، فى مجال اللاهوت العقائدى، وقد قدم العديد من الدراسات المتفردة حول العذراء مريم، ودخل مناطق شائكة، وأجاب عن أسئلة صعبة حولها، ننشر بعضها فى حلقات، وأولى هذه الأسئلة: ما فائدة جسد العذراء مريم فى السماء؟
سؤال الأنبا غريغوريوس يبدو صادمًا للبعض، لكن الدخول فى تفاصيل الإجابة توضح الأمور، إذ يقول «هذا نوع من أنواع التكريم، فبدلاً من أن يكون جسد العذراء فى موضع مهانة، رفعه الله فوق، كى يكون موضع الكرامة، بدلاً من أن يهان.
وهذا فى الوقت نفسه يكشف عن نظرة الأرثوذكسية لأجساد القديسين، إن أجساد القديسين يجب أن تكرم، لأن هذا الجسد حمّل الروح فى رحلتها على الأرض، كان مسكنًا لروح الإنسان، فما صنعه من الخير صنعه بالروح والجسد معاً، من هنا نحن نكرم أجساد القديسين ولا نهينها.
هناك بعض الناس يحرقون الأجساد كما فى الهند وفى بعض البلاد الأوروبية مثل أيرلندا الشمالية، ونحن وجميع الكنائس الأرثوذكسية الأخرى، والكاثوليكية أيضاً، لا نقر أبداً بحرق الجثث، لأنه إهانة لهذه الأجساد، ويجب أن ننظر إلى أجساد القديسين نظرة احترام، لأن الأعمال الصالحة والأفكار والعواطف والمشاعر المقدسة مطبوعة على هذا الجسد، كما قال بولس الرسول «أنا حامل فى جسدى سمات الرب يسوع».
إذن الجسد يحمل كل شيء ويسجل كل شيء، قد تسمعون إنه عندما يفتح مخ الإنسان، يمكن التعرف على الفرق بين عقل العالم من عقل الجاهل عن طريق التجاعيد، فكل الخبرات تطبع على المخ، كما تطبع على اليد والعظام، لذلك يقول سيدنا، له المجد فى سفر الرؤيا «رأيت عرشاً عظيماً أبيض.. ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار.. ودين الأموات بما هو مكتوب فى الأسفار»، (رؤ ٢٠ : ١١، ١٢ )، وكل واحد فينا يحمل سفراً، والسفر ليس مجرد كتاب أو ورقة، نحن فى غير حاجة إلى هذا، فأعمال الإنسان تطبع فى الجسد، مثل الريكوردر بالضبط، عندما يقول المسيح «كل كلمة يتكلم بها الإنسان يعطى عنها حساباً يوم الدين»، يعنى أن الكلام لا يضيع، لكن يحفظ، لذلك نقول إنه لا بد أننا جميعاً نقف أمام كرسيه للقضاء، لينال كل واحد بحسب ما صنع فى الجسد.
لكن لماذا أرجأ الدينونة إلى ما بعد القيامة؟ لأن الناس الذين خرجوا من الجسد، هم الآن أرواح فقط والجسد تركوه فى القبور، فالجزاء مرجأ إلى ما بعد القيامة، ولأن الإنسان صنع الخير بالروح والجسد معاً، وصنع الشر بالروح والجسد معاً، فلا دينونة ولا حساب للروح وحدها، لا بد أن تلبس الجسد وتقف أمام الله، ولا بد أن نظهر جميعا أمام كرسيه للقضاء، لينال كل واحد بحسب ما صنع. يقول سيدنا: «تأتى ساعة، فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته، فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات.. إذن الجسد الذى أودع فى القبر هو بعينه الذى يخرج لكى يلبس الروح ويقف الإنسان روحاً وجسداً أمام الله، وما يزرعه الإنسان يحصده أيضاً، هذا هو السبب فى أن الدينونة والحساب بعد القيامة، لأن الجسد المطبوع عليه أعمال الإنسان وأفكاره وعواطفه، ينال الجزاء سواء كان الجزاء الصالح أو العقاب.
وجسد الست العذراء، شاء الله له، بدلاً من أن يهان، أن يكرمه بأن يرفعه إلى السماء، وجسد العذراء هو الوحيد بين أجساد القديسين الذى نال هذا الشرف، فقد أصعد إلى السماء على أجنحة الملائكة وأجنحة رؤساء الملائكة. ولا يوجد أحد من القديسين أصعد جسده، وسيدنا صعد بجسده لأنه هو المسيح، هو الله الظاهر فى الجسد.
لكن ما فائدة جسد العذراء؟
هذا جسدها، وفى يوم الجزاء الأخروى سيكون موضعا للتكريم أيضا، الكرامة الكاملة بعد يوم الدينونة وبعد يوم الحساب، لأنه لم يدخل أحد من القديسين إلى السماء العليا يوم الدينونة يقول «تعالوا أيها المباركون من أبى لترثوا الملكوت المعد... الملكوت معد لكن لم يدخل إليه أحد»، ويرتبط بهذا السؤال سؤال آخر: هو أين العذراء الآن: فى الفردوس أم فى ملكوت السموات؟
ووفق معلوماتنا فإن ملكوت السموات لا يفتح إلا بعد يوم الدينونة، ولذلك ظهرت العذراء فى الزيتون، كنا نراها جسدًا نورانيًا، عبارة عن جسد أثيرى تكونه العذراء مريم، لكن ليست بالجسد الطبيعى الذى أصعد إلى الفردوس، فمعلوماتنا أن روح العذراء مريم فى الفردوس وجسدها أيضاً هناك، لكن بأسلوب يعلو على التعبير، سيدنا له المجد يتجلى معها ويظهر لها باستمرار، وإذا كان يظهر لها على الأرض فمن باب أولى يظهر لها فى الفردوس، ولا توجد لدينا معلومات تسمح لأن نقول أنها فى الملكوت، لأن الملكوت سيكون بعد الدينونة، كما قال الكتاب المقدس: «تعالوا أيها المباركون من أبى لترثوا الملكوت»، إذن الملكوت لا يفتح إلا بعد يوم الدينونة.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق