تفسير قول المسيح: "لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا. لَيْسَ أحَدٌ صَالِحًا إلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ" (مت17:19)
يعتقد البعض ان هذه الآية يستطيعون استخدامها لنفي لاهوت السيد المسيح، والحقيقة ان هذه الآية في سياقها ومجملها تثبت اللاهوت ولا تنفيه، وتعالوا نفهم معا
الأمر الأول: أراد أن يكشف عن حقيقة شخصه لذلك الشاب
فقول السيد المسيح للشاب: لماذا تدعوني صالحًا. لا ينفي عنه صفة الصلاح والإلوهية، لكنه قصد أن يقول له: بأي مقياس (لماذا) أنت تدعوني صالحًا؟ هل بمقياس الصلاح البشري كما تدعون بعضكم البعض وتلقبون معلميكم؟ أم بمقياس الصلاح الإلهي لأنك رأيت أعمالي ومعجزاتي التي لا يستطيع البشر فعلها؟ إن كنت تقصد أنني صالح بمقياس الصلاح الإلهي فهذا يعني أنني الله. فإن كنت تعترف بصلاحي بالمقياس الإلهي وجب عليك أن تعترف بأنني الله وتؤمن بي. وكأن السيِّد الرب يقول له: إن آمنت إني أنا الله فلتقبلني هكذا وإلا فلا فائدة ترجي منك. فهو لم يقل له "لا تدعوني صالحًا"، إنّما رفض أن يدعوه هكذا كمجرد لقب، ما لم يؤمن بحق أنه الصالح وحده.
- الأمر الثاني : أراد أن يكشف عن حقيقة عجز الإنسان عن عمل الصلاح.
لقد أجاب السيد المسيح الشاب حسب اعتقاده فيه
ونظرته إليه، لأنه لم يكن يعتقد أن المسيح هو الله بل كان يعتقد أنه أحد معلمي
الدين، فقد اِعتاد اليهود دعوة رجال الدين بلقب "المعلم الصالح" وهذا اللقب لا
يليق إلا بالله وحده، لذلك أراد السيِّد تحذيرهم بطريقة غير مباشرة فانتهز المسيح
هذه الفرصة، وأجاب الشاب بالإجابة التي تصحّح اعتقاده في هؤلاء المعلّمين وكأنه
يقول له: إن كنت تعتقد أنني مجرد معلّم، فاعلم أنه ليس هناك معلم صالح على
الإطلاق، إذ أن جميع الناس إن لم يكونوا خطاة بأفعالهم، فهم خطاة بطبيعتهم
وأفكارهم، فليس هناك كائن يستحق أن يُقال عنه إنه صالح سوى الله وحده.
لقد سأله الشاب: أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة
الأبدية. وهو سؤال يفترض أن لدي الإنسان المقدرة على عمل الصلاح. وهذا غير صحيح
إذ "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد" (
رومية 12:3).
وهذا هو السبب الذي من أجله قال الرب للشاب "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله".
لقد أوضح الرب لذلك الشاب خطأه في فهمه لمعني الصلاح.
فالسيد المسيح عندما يقول " فكونوا أنتم كاملين كما
كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (إنجيل
متى
5 : 48). لا يقصد الكمال بمعناه
المطلق لأنه مقصور علي الله فقط، فالله فقط هو الكامل، ولن يبلغ الإنسان الذي زاغ
وفسد وأعوزه مجد الله درجة الكمال المطلق أبدًا ولكنه يقصد أن نسير في طريق
الكمال ونجاهد قدر استطاعتنا أن نسلك بالكمال وعلي هذا القياس أيضًا أمر الصلاح،
فحتى لو وُصف إنسان بأنه كامل أو صالح فهو وصف لسلوكه بطريق الكمال والصلاح.
عندما يسبغ الكتاب المقدس صفة الكمال علي إنسان ما
كما قال الوحي عن أيوب "وكان هذا الرجل كاملًا ومستقيمًا" (أيوب 1 :1). فلا يعني
ذلك الكمال المطلق بل يعني أنه يسلك بالكمال، فهل كان أيوب كاملًا حقًا؟! بالطبع
لا، فجميعنا نعلم أنَّ نقطة ضعف أيوب وخطيئته كانت في بره الذاتي لذلك سمح الله
للشيطان أن يجربه حتى يتنبه ويفيق من وهمه ونجحت معه هذه الطريقة.
فأي صلاح يراه الإنسان في ذاته بعد قول الرب "كذلك
أنتم أيضًا متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا إننا عبيد بطَّالون. لأننا عملنا
ما كان يجب علينا" (أنجيل لوقا 17 : 10).
- كماتقدم لكم قداسة البابا شنوده الثالث وتفسيره لايه
- كماتقدم لكم قداسة البابا شنوده الثالث وتفسيره لايه
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق