البابا شنوده الثالث: كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي لقداسة البابا شنودة الثالث

ترجمة

الأربعاء، 8 فبراير 2017

كتاب الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي لقداسة البابا شنودة الثالث

1 تصدير الطبعة الأولى لنيافة الأنبا غريغوريوس
2 خطورة استخدام الآية الواحدة
3 آيات تكملتها توضحها
4 إننا لا نستغل الآية الواحدة لصالحنا
5 الفصل الأول: لا خلاص إلا بدم المسيح وحده
6 الفصل الثاني: أهمية الأعمال في موضوع الخلاص
7 الفصل الثالث: الجهاد والنعمة
8 الفصل الرابع: الثقة وضمان الملكوت
9 الفصل الخامس: هل يمكن أن يهلك المؤمن؟
10 الفصل السادس: إجابة أسئلة تتعلق بالموضوع 1- تصدير الطبعة الأولى لنيافة الأنبا غريغوريوس



تصدير الطبعة الأولى

لنيافة الأنبا غريغوريوس

قال نيافته في مقدمة الكتاب سنة 1967:

هذا البحث الذي كتبه نيافة الأنبا شنوده أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية، بحث يمتاز بالوضوح والدقة والشمول، في موضوع من أهم الموضوعات التي تشغل أذهان المؤمنين في كل العصور، لأنه يتصل بقضية (الخلاص) وهى غاية الايمان، وتاج الرجاء المسيحى..

فيه ترى التعليم الأرثوذكسى القويم، مؤيدا بمنطق سليم واستخدام صحيح للنصوص المقدسة، كاشفا الأغاليط..

إننى أشهد أن هذا الكتاب القيم أمكن أن يعالج موضوع (الخلاص) لأول مرة معالجة وافية، تكفي لن تعطي صورة مشرفة صادقة لتعليم كنيستنا الأرثوذكسية في مشكلة الخلاص.



غريغوريوس

بنعمة الله اسقف عام

للدراسات العليا متوسط الثقافة القبطية متوسط البحث العلمي
2- خطورة استخدام الآية الواحدة



فى موضوع الخلاص أيها الاخوة – كما فى أى موضوع آخر – احترسوا جدا من خطورة استخدام واحدة من الكتاب المقدس.

ان الكتاب المقدس ليس هو مجرد آية أو آيات، وانما هو روح معينة تتمشى في الكتاب كله.

الشخص الجاهل يضع أمامه آية واحدة، أو أجزاء من آية، فاصلا اياها عن ظروفها وملابساتها وعن المعنى العام كله، أما الباحث الحكيم، الذي يتوخى الحق فانه يجمع كل النصوص التي تتعلق بموضوع بحثه، ويرى على أى شئ تدل..

وفى موضوع الخلاص، ترى أمثلة من خطورة الآية الواحدة:



آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك (أع 16: 31)
هذه الآية يتخذها البعض برهانا على الخلاص بالايمان فقط!! لأن فيها يقول بولس الرسول لسجان فيلبي: (آمن.. فتخلص..) (أع 16: 31) وينسى الذين يستخدمون هذه الآية عدة أمور هى: لمن قيلت..؟ وتكلمت الآية..؟ وماذا حدث بعدها..؟ والآيات الأخرى المتعلقة بالموضوع.

1- أولا: قيلت هذه الآية لرجل أممى، غير مؤمن، مهما فعل من أعمال صالحة فلن تجديه شيئا بدون الايمان بالمسيح!!

لذلك كان لابد من لرشاده الى الخطوة الأولى التي بدونها لا يمكن أن ينال شيئا من الخلاص. فاذا خطا هذه الخطوة، يمكن ارشاده الى ما يتلوها من خطوات.. لم يكن مناسبا أن يكلم الرسولان هذا السجان عن أهمية الأعمال الصالحة، لأنها بالنسبة اليه لا يمكن أن تفيده وهو غير مؤمن.. والوضع السليم أن يتدرجا معه خطوة خطوة، حتى يصل.

2 – والخطوة الأولى تستخدم أحيانا في الكتاب المقدس للدلالة على العمل كله الذي يبدأ بتلك الخطوة.

مثال ذلك قول سمعان الشيخ عندما حمل المسيح الطفل بين ذراعيه: (الآن يارب تطلق عبدك حسب قولك بسلام، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك..) (لو 2: 28 –31) بينما أن سمعان الشيخ لم يبصر خلاص الرب الذي لم يتم الا بدم المسيح على الصليب عندما دفع الرب ثمن الخطيئة بموته عنا!! ولكن سمعان أبصر فقط تجسد الرب وميلاده. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). ولما كان تجسد الرب هو الخطوة التنفيذية الأولى التي تؤدى الى الخلاص، لذلك قال سمعان الشيخ فى ثقة: (لأن عينى قد ابصرتا خلاصك..)

وبهذا الأسلوب تقريبا، تتحدث بولس وسيلا مع سجان فيلبي ليس عن أن ايمانه فقط هو الذي سيخلصه ويخلص أهل بيته، وانما على أنه الخطوة الأولى التي تؤدى الى خلاص البيت..

3 – وأكبر دليل على أن المقصود بهذا الخلاص هو الخطوة الأولى المؤدية اليه، هو قول الرسول لهذا السجان: (فتخلص أنت وأهل بيتك).

اذ كيف يمكن أن يخلص أهل بيته بمجرد ايمانه؟! هل ايمان انسان يخلص شخصا آخر؟! ولكن الوضع السليم هو ان ايمان هذا الشخص هو مجرد الخطوة الأولى التي ستقوده الى الخلاص عندما يعتمد باسم يسوع المسيح، وأيضا سيقنع اسرته بالايمان ويكون فاتحة خير للأسرة، وهكذا يخلص هو وأهل بيته..

4- ولذلك نرى أن هذه الآية كان لها تكملة،

اذ يقول الكتاب أن بولس وسيلا (كلماه وجميع من في بيته بكلمة الرب.. واعتمد في الحال هو والذين له أجمعون)

5- ونحن اذا أخذنا هذه الآية: (آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك)

انما يجب أن نضع الى جوارها آيات أخرى لنكمل فهم الموضوع، وسأذكر لكم مثالا بسيطا له دلالته القوية:

تقدم شاب الى السيد المسيح ليسأله: (أى صلاح أعمل لتكون لى الحياة الأبدية؟) (مت 19: 16) فلم يقل له السيد المسيح: (آمن فتخلص) وانما قال له: ان اردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا)

هلى نجرؤ نحن ونقول أن مجرد حفظ الوصايا كاف للخلاص، بدون ايمان، وبدون معمودية، وبدون أسرار؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ كلا اننا لا يمكن أن نخطئ الى انفسنا ولا الى الناس ولا الى الإيمان ذاته باستخدام الآية الواحدة..

فى هذا المثال أيضا نجد أن الشاب عندما قال عن الوصايا: (هذه حفظتها منذ حداثتى، فماذا يعوزنى بعد؟) حينئذ قال له ربنا يسوع (ان أردت أن تكون كاملا، فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعنى) هنا أيضا لم يحدثه السيد المسيح عن الايمان. ولا عن النعمة.. فهل نستخدم هذا المثال لنقلل من قيمة الايمان، اذ لم يرد له ذكر في حديث الرب عن نوال الحياة الأبدية؟‍‍‍‍!

كلا، حاشا لنا أن نفعل هذا ونستخدم الآية الواحدة، فلكل مجال الكلام اللائق به وفى هذا المثال كلم الرب الشاب الغنى بما يناسب حالته وبما يعالج أمراضه الداخلية الأصلية..

نتناول آية أخرى من التي يستخدمها البروتستانت ومن يجرى في مجراهم..



(فاذا قد تبررنا بالايمان، لنا سلام مع الله) (رو 5: 1)
يأتيك انسان من الذين يهتمون بالآية الواحدة، ويقول لك: هوذا أمامك آية صريحة تقول ان تبررنا بالإيمان، فلا داعى لأن تجادل أو تفتح فمك! هل تنكر الآية أو تعارض كلام الله..!

لا يا أخى، نحن لا ننكر الآية، ولا نعارض كلام الله. ولكننا نضع الى جوار هذه الآية أخرى من نفس رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ونرى ماذا يمكن أن نفهمه من الآية. يقول الرسول: (لأن الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون) (رو 2: 13)

هنا كلام عن تبرير من يعمل بالناموس، هل نسمح لأنفسنا أن نخطئ ونستخدم الآية الواحدة، ونقول أن الأعمال وحدها هى التي تخلص

معتمدين على قول الرسول: (بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون)؟! كلا، بل نحن نضع الآيتين معا (رو 2: 13)، (رو 5: 1). ونخرج بتعليم صحيح يتفق مع كلام الله، وهو أن عمل الايمان في التبرير لا ينكر أهمية الأعمال، ولزوم الآعمال لتبرير لا ينكر قيمة الايمان..

هذه الآية التي تقول (اذ قد تبررنا بالايمان) نضع الى جوارها آية أخرى هى (ترون اذن أنه بالأعمال يتبرر الانسان، لا بالايمان وحده (كذلك راحاب الزانية أيضا، أما تبررت بالأعمال، اذ قبلت الرسل وأخرجهم في طريق آخر) (يع 2: 24، 25).



نأخذ آية أخرى:

(وأما الذي لا يعمل، ولكن يؤمن بالذى يبرر الفاجر، فايمانه يحسب له برا) (رو 4: 5)
فهل تعنى هذه الآية أن الله يبرر الفاجر إذا ثبت في فجوره دون عمل التوبة؟‍‍! حاشا. إذن لكى نفهم هذه الآية فلنضع أمامها آيات أخرى توضحها. ولنبدأ بآية من نفس الرسالة إلي رومية حيث يقول الرسول (1: 18) (لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وأثمهم)

تضيف إليها آية أخرى من الرسالة الثانية لبطرس الرسول: (واذ رمد مدينتى سدوم وعمورة، حكم عليهما بالانقلاب، واضعا عبرة للعتيدين أن يفجروا) (2 بط 2: 6) وهكذا أظهر لنا الرسول أن الفاجر يشترك في مصير سدوم وعمورة.

وهذا أيضا يشرحه معلمنا يهوذا الرسول اذ يقول: وتنبأ عن هؤلاء أيضا أخنوخ السابع من آدم) قائلا: (هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجورهم، على جميع أعمال فجورهم التي فجروا بها) (يه 14، 15).

لا يمكن أن نفهم اذن من الآية التى قالها بولس الرسول أنه يكفى للفاجر أن يؤمن فقط لكى يخلص، بقائه في فجوره. فان بولس نفسه أنذرنا في صراحة تامة قائلا: (لا تضلوا. لا زناة، ولا عبدة أوثان، ولا فاسقون، ولا مأبونون، ولا مضاجعو ذكور.. يرثون ملكوت الله) (1كو 6: 9، 10).

أما عبارة (لا يعمل) فلعل المقصود بها هنا أعمال الناموس الطقسية، كالختان بالذات كما يظهر من باقى النص (رو 5: 6 – 12)

لا يصح مطلقا أيها الأحباء أن نسير بطريقة الآية الواحدة، فهى طريقة خاطئة وخطر وغير أرثوذكسية.

أن أتاك أحد في يوم من الأيام بآية من الآيات، مهما كانت صريحة وواضحة، فقل له: أنا لا تنفعنى الآية الواحدة (لنضع أمامنا جميع النصوص التي تتعلق بهذا الموضوع، ثم نتفاهم معا (احترسوا من أن تخدعكم الآية الواحدة، فربما لها مناسبة معينة، وربما لها تكملة، وهذه التكملة هى التي توضح معناها (وسأضرب لكم لذلك بعض الآمثلة:
3- آيات تكملتها توضحها


يقول بولس الرسول في رسالته الى افسس (2: 9):

(لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان. وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كى يفتخر أحد)
هذه آية تبدو صريحة ولكن تمهل قليلا واقرأ الآية التي بعدها مباشرة (أفسس 2: 10)، يقول: (لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعده لكى نسلك فيه ) اذن لا يليلق أن نخطف آية ونجرى قائلين في خفة: ان الموضوع قد انتهى



· لنأخذ مثالا آخر. يقول بولس الرسول:

(فان كان بالنعمة، فليس بعد الأعمال، والا فليست النعمة بعد نعمة (رو 11: 6)
ما أجمل أن نتروى قليلا، ونتابع ما يقوله الرسول في نفس الاصحاح، حيث يستطرد: (.. أنت بايمان (لا تستكبر بل خف (لأنه ان كان الله لا يشفق على الأغصان الطبيعية، فلعله لا يشفق علينا أيضا. فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا. وأما اللطف فلك، ان ثبت في اللطف، والا فانت أيضا ستقطع). (رو 11: 10 – 22)

ما مهنى هذا الكلام..؟ معناه أنك نلت خلاصا بدم المسيح. ولكن جب أن تثبت فيه، والا فانك ستفقده اذا لم تعمل أعمالا تليق بالتوبة. لأن الغصن الذي يقطع من الشجرة يهلك ويموت



· مثال آخر؟ يقول بولس الرسول:

فاين الافتخار..؟ قد انتفى، بأى ناموس، أبناموس الأعمال..؟ كلا، بل بناموس الإيمان. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). اننا نحسب ان الانسان يتبرر بالايمان دون أعمال الناموس) (رو 3: 27، 28).
ان قرأنا آية مثل هذه، فلا يصح أن نتسرع، بل نتابع القراءة لنرى ماذا يقول الرسول بعدها.. انه يستطرد قائلا بعد هذه الآية مباشرة: (أفنبطل الناموس بالايمان حاشا، بل نثبت الناموس) (رو 3: 31)



· مثال آخر، يقول بولس الرسول:

(ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس..) (تى 3: 4 –6).
لاحظوا أن هذه الآية بالذات تتحدث عن الخلاص بالمعمودية وعمل الروح القدس. أما من جهة الأعمال، فاننا اذا. أكملنا ما يقوله الرسول نجده يستطرد مباشرة (صادقة هى الكلمة، وأريد أن تقرر هذه الأمور لكى يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالا حسنة. فان هذه الأمور هى الحسنة والنافعة للناس) (تى 3: .

اننى أيها الاخوة الأحباء لست فى المقدمة أناقش الإيمان والأعمال، فموعده في هذه المحاضرة لم يأت بعد. انما أريد فقط أن أوجه الاهتمام الى هذه القاعدة وحدها وهى خطورة استخدام الآية الواحدة.

ونحن أنفسنا، لا نسمح لذواتنا بتاتا أن نستخدم هذه الطريقة الخطرة الضارة
4- إننا لا نستغل الآية الواحدة لصالحنا



فمثلا إن وجدنا يوحنا الرسول يقول:

*(إن علمتم أنه بار هو، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه) (1 يو 2: 29).
إن قرأنا مثل هذه الآية وحدها، وانما مع هذه الآية نذكر الإيمان والمعمودية وأسرارالكنيسة التي لم تتضمنها الآية مطلقا من حيث اللفظ.



وبالمثل أيضا إذا قرأنا ليوحنا الرسول قوله:

*(نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة، لأننا نحب الاخوة) (1يو 3: 14)
فلا يمكن أن نتخذ هذه الآية دليلا على أن المحبة وحدها كافية لتخليص الانسان، ونقله من الموت إلى الحياة‍‍!!

وكذلك بنفس الأسلوب لا يمكن أن نستعمل الآية التي تقول:

*(الله محبة. ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه) (1 يو 4: 16).

وبنفس الأسلوب لا يمكن أن نستغل أية آية من الآيات التي تتحدث عن الأعمال وأهميتها، مثل قول السيد المسيح للشاب الغنى:

*(إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا) (مت 19: 17).

هل مجرد حفظ الوصايا وحده يكفى، بدون إيمان وبدون معمودية؟! بلا شك. أما الآية فتفهم آخر يتفق مع الملابسات التي أحاطت بها.



وهكذا أيها الأحباء، علينا أن نتذكر باستمرار – في تعرفنا على الايمان السليم – تلك الآية الجميلة التي تقول:

* (لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى) (2 كو 3: 6)
فلنبحث اذن عن مفهوم الخلاص مقتادين بروح الكتاب، لا بحرفه، محاولين أن نجمع في صعيد واحد النصوص المتعددة التي تتناول الموضوع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). لنطرق موضوعنا من جميع نواحيه لا من زواية واحدة فقط، ولا من ملابسة معينة فقط.

ونصيحتى لكم أن تبعدوا عن قراءة الكتب الغربية، التي تبعدكم عن الإيمان السليم. ونصيحتى أيضا أن تبحثوا الموضوع في تواضع كثير، لأن الاعتداد بالذات، في الأمور اللاهوتية، قاد كثيرين الى الهرطقة.

بعد هذه المقدمة الوجيزة نتحدث عن الخلاص في المفهوم الأرثوذكسى ووسائطه.

5- لا خلاص إلا بدم المسيح وحده


لا إيمان ولا أعمال بدون هذا الدم. ان الإيمان هو إيمان بدم المسيح، والأعمال هى أعمال مؤسسة على استحقاقات دم المسيح. وكما يقول الرسول بولس: (بدون سفك دم لا تحدث مغفرة) (عب 9: 22).

فما هو اذن مركز دم المسيح في قضية الخلاص؟ وما هو مركز الايمان..؟ وما هو مركز الأعمال؟



الأعمال بدون دم المسيح
لا يوجد خلاص الا بدم المسيح، جميع الأعمال الصالحة مهما سمت، مهما علت، مهما كملت، لا يمكن أن تخلص الانسان بدون دم المسيح.

لذلك فان الأبرار الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة في العهد القديم، انتظروا هم أيضا في الجحيم الى أن أخرجهم منه السيد المسيح بعد صلبه.

ان الأعمال الصالحة وحدها لا يمكن أن تخلص الانسان بدون الايمان بدم المسيح والا كان الوثنيون ذوو الأعمال الصالحة يخلصون بأعمالهم ‍‍!! حاشا.

وكقاعدة عامة أقولها لكم:

جميع الآيات التي وردت في الكتاب المقدس تهاجم الأعمال، هى عن الأعمال وحدها بدون دم المسيح، أو عن أعمال الناموس (الخاصة بشريعة العهد القديم)

لذلك عندما يقول الرسول: (لا بأعمال في بر عملناها) (تى 3: 5)، أو عندما يقول: (ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد) (أف 2: 9) انما يقصد الأعمال وحدها بدون دم المسيح. وهكذا ان وجد انسان يعمل أعمالا صالحة، وهو غير مؤمن، فان بر الناموس هذا لا يفيده شيئاً وأعماله الصالحة وحدها لا تخلصه بدون الايمان.

مثل هذا الشخص غير المؤمن، تقول له: ان أعمالك كلها لا تكفئ آمن بالرب يسوع فتخلص.



هناك فرق جوهرى أساسى بين الكلام الذي يقال للمؤمن، والكلام الذي يقال لغير المؤمن. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). في حديثك مع غير المؤمن، يجب أن تحطم جميع الأعمال، كلها بدون دم المسيح لا تفيد شيئا، مثل هذا تقول له: أن أعمالك لا تخلصك.. الذي يخلصك هو دم المسيح. ان دم المسيح هونقطة البدء في موضوع الخلاص.

ولكن بعد أن يؤمن، ينبغى أن تحدثه عن الأعمال الصالحة التي تليق بايمانه، لأن الايمان بدون أعمال ميت. (يع 2: 20)



لماذا لا يكون الخلاص الا بدم المسيح..؟
1- الخطية هى عصيان لله، وتعد على حقوقه، وعدم محبة له..

والله غير محدود، اذن فالخطية غير محدودة لأنها موجهة ضد الله غير المحدود.

ومهما عمل الانسان فان أعماله محدودة، لذلك لا تغفر الخطية الا كفارة غير محدودة..

ولا يوجد غير محدود الا الله. لذلك لم يكن هناك حل لمغفرة الخطية سوى أن يتجسد الله ذاته ويموت. ويكون موته كفارة غير محدودة، توفى عدل الله غير المحدود، في الاقتصاص من الخطية غير المحدودة. الموجهة ضد الله غير المحدود.

2- هذا الكلام ينطبق على خطيئة آدم كما ينطبق على خطية أى انسان، لأن الخطية هى الخطية، وعدل الله هو هو، وعقاب الخطية تفتقدنا، وقد افتقدنا فملا وخلصتنا بدم المسيح الذي به وحده الخلاص.

3-من أجل هذا قال معلمنا بولس الرسول: (متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالايمان بدمه لاظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السابقة) (رو 3: 25 ). وقال أيضا: (الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا) (2 تى 1: 9)

وقال أيضا: (لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس) (تى 3: 4، 5). وقال أيضا: (لأنكم بالنعمة مخلصون، بالايمان. وذلك ليس منكم، هو عطية الله. ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد) (أف 2: .

وقال أيضا: (فان كان بالنعمة، فليس بعد بالأعمال، والا فليست النعمة بعد نعمة) (رو 11: 6).

اننا نورد هذه الآيات التي يستخدمها البروتستانت، ولا نخبئها، لأننا لا ننكر نعمة الله علينا، ولا ننكر خلاص الله المجانى الذي أعطاه لنا، ولا ننكر أننا كنا كلنا (أمواتا بالذنوب والخطايا (أف 2: 1).

ولولا دمه الأقدس لهلكنا جميعاً.

ولكننا نضع هذه الآيات في موضعها الحقيقى، ونعترف أننا خلصنا بدم المسيح.

4-ولكننا نقول أن دم المسيح شئ، واستحقاق دم المسيح ش آخر. ان دم المسيح كاف لمغفرة خطايا العالم كله، فهل حظى العالم كله بالغفران؟!

لقد (أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد) (يو 3: 16) فهل خلص العالم كله بهذا البذل، أم خلص فقط (كل من يؤمن به)؟

اذن فدم المسيح موجود، مستعد، مستعد أن يخلص، وكاف للخلاص، ولكن للخلاص شروطا يجب ان تستوفى حتى يكون الخاطئ مستحقا لهذا الدم الذي به الخلاص.

وهكذا أيضا يقول يوحنا الحبيب فى رسالته الأولى عن المسيح أنه (كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا) (1 يو 2: 2) كفارة المسيح اذن غير محدودة تكفى لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس في جميع الأجيال، في الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل.

ولكن مع وجود دم المسيح هناك أشخاص هلكوا، وأشخاص يهلكون، وأشخاص سيهلكون! ذلك لأن استحقاقات دم المسيح لها شروط معينة.


6- شروط الخلاص بدم المسيح



أريد من جهة هذه الشروط أن أضع أماكم أربعة أمور جوهرية جداً وهى:

1- الايمان

2- المعمودية

3- الأسرار الكنسية اللازمة للخلاص17- الأسرار اللازمة للخلاص



هناك أسرار قد لا تلزمك شخصياً لخلاصك. فأنت لا تتزوج، وإن كنت ثمرة لزواج. وقد لا تصاب بمرض تحتاج فيه إلى سر مسحة المرضى. وقد لا تصير كاهناً وإن كنت تحتاج لسر الكهنوت ليقدم لك عمل الروح القدس في الأسرار اللازمة لك شخصياً لخلاصك. فأنت يلزمك بلا شك سر المعمودية، وقد تحدثنا عنه – كذلك يلزمك سر مسحة الروح القدس (الميرون)، وسر التوبة، وسر الافخارستيا (التناول).

وسنتكلم الأن عن أهمية كل من هذه الأسرار على حدة:

سر المسحة المقدسة

سر الإفخارستيا "التناول"

سر التوبة



4- الأعمال الصالحة

21- الأعمال الصالحة


تكلمنا الآن عن الخلاص بدم المسيح،

وكيف أن استحقاق دم المسيح يلزم له الإيمان،

والمعمودية،

وسر المسحة المقدسة، وسر التوبة، وسر الافخارستيا.

وبقى أن نتحدث عن الأعمال ومركزها في قضية الخلاص. وقد أفردنا لهذا الموضوع فصلا خاصاً لأهميته.
7- شرط الإيمان



والإيمان شرط أساسى لاستحقاق دم المسيح. وهكذا قال السيد المسيح عن نفسه: (.. لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية) (يو 3: 16).

وتظهر أهمية هذا الشرط لاستحقاق دم المسيح، من قول الكتاب في نفس الإصحاح من فم السيد المسيح نفسه:

(الذى يؤمن به لا يدان. والذى لا يؤمن قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد) (يو 3: 18)

ويظهر هذا الشرط أيضا من قول يوحنا الرسول في خاتمة إنجيله: (.. وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح هو ابن الله، ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه) (يو 20: 31). هناك شرط إذن وهو أن الخلاص يكون لكم إذا آمنتم.

وبهذا وعظ بولس الرسول في أنطاكية قائلا: (.. انه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا. وبهذا يتبرر كل من يؤمن..) (أع 13: 38، 39).

وقد وضح ربنا يسوع المسيح أنه بدون شرط الإيمان هذا لا يمكن أن يكون خلاص بقوله لليهود:

(إن لم تؤمنوا إني أنا هو تموتون في خطاياكم) (يو 8: 24).

ما أخطر هذه العبارة (تموتون فى خطاياكم) ‍! دم المسيح موجود، قادر أن يخلص. ولكنه لا يمكن أن يخلصك بدونك.

يجب أن تقدم شرط الإيمان، لكى تخلص بدم المسيح. إنه الشرط الأول، ولكنه ليس الشرط الوحيد. إنه الخطوة التى تؤهلك للمعمودية.

شرط الإيمان هذا ورد في قول بولس وسيلا لحافظ السجن (آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك) (أع 16: 31).


8- ما هو الإيمان؟



إن كلمة الإيمان كلمة واسعة جداً جداً، تدخل فيها أمور كثيرة. وإن كان بولس الرسول قد قال اننا (قد تبررنا بالإيمان) (رو 5: 11) فماذا يقصد بهذا الايمان قد تبررنا به؟

لذلك يضع بولس الرسول أمامنا سؤالا خطيراً جداً في موضوع الايمان. اذ يقول (جربوا أنفسكم، هل أنتم في الإيمان..؟ امتحنوا أنفسكم) (2 كو 13: 5) إذن لابد أن نختبر أنفسنا ونرى هل نحن حقا في الإيمان أم لا. ما هو هذا الإيمان..؟

إيمان حى..
ان الايمان اللازم للخلاص لابد أن يكون ايمانا حياً. وهذا الأمر وضحه على أكمل وجه معلمنا يعقوب الرسول اذ قال: (ان الايمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 20) وكرر هذا المعنى قائلا: (لأنه كما أن الجسد بدون الروح ميت، هكذا الايمان بدون أعمال ميت) (يع 2: 26).

ومثل هذا الإيمان الميت، أى الخالى من الأعمال، لا يقدر أن يخلص أحدا. وهكذا يقول معلمنا يعقوب الرسول: (ما المنفعة يا اخوتى إن قال أحد أن له إيمانا ولكن ليس له أعمال؟! هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟!) (يع 2: 14)

حقا أن الرسول قد قال اننا قد تبررنا بالايمان. ولكن هذا الايمان له صفتان هامتان. ايمان حى وايمان عامل. وفى هاتين الصفتين كلتيهما نرى الأعمال الصالحة.

ولا نظن أحداً من البروتستانت – مهما أنكر الأعمال – يستطيع في أمر الخلاص أن يعلم بالايمان غير العامل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). فالرسول يقول: (أن الشياطين يؤمنون ويقشعرون) (يع 2: 19).

فهل تقصد بالإيمان أيها الأخ ايمانا من نوع ايمان الشياطين الذين ليست لهم أعمال صالحة، وانما هم يؤمنون، ويقشعرون من هول شرورهم وفسادهم؟!!

إن عبارة الحى العامل قد تتسع فى مداها حتى تشمل الحياة الروحية كلها

كيف يمكن أن تشمل الحياة الروحية كلها..؟ أميلوا آذانكم أيها الاخوة الأحباء إلى قول الرسول.

الإيمان العامل بالمحبة..
قال بولس الرسول: (لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة) (غل 5: 6) فماذا تعنى صفة (العامل بالمحبة) ما هى هذه المحبة، وكيف تكون؟

ان هذه المحبة شرحها بولس الرسول، مستدلا عليها بجمهرة من الأعمال الصالحة، اذ قال: (المحبة تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ، ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحقد، ولا تظن السوء، ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق، وتحتمل كل شئ، وتصدق كل شئ، وترجو كل شئ، وتصبر على كل شئ) (1 كو 13: 4 – 7)

فاذا كان الايمان هو هذا الايمان العامل بالمحبة، فانه سيشمل ولا شك هذه هذه الصفات كلها، وكلها أعمال. هنا تبدو المسيحية في جوهرها، أنها ليست مجرد آية، وانما هى روح وحياة (يو 6: 63) حقاً كما قال الكتاب أن الحرف يقتل ولكن الروح يحيى.. الحرف يقول لك أن هناك شيئا اسمه الايمان. وأما الروح فيشرح لك كنه الايمان وانه يشمل الأعمال الصالحة كلها.

فهل اخوتنا المعارضون يقصدون الإيمان بهذا المعنى الواسع الذي يشمل الحياة الروحية كلها.

الذى أشار اليه بولس الرسول فى الاصحاح الحادى عشر من الرسالة إلى العبرانيين عند حديثه عن رجال الإيمان..؟ أم هم يقصدون مجرد الإيمان خلوا من صفاته السابق ذكرها!؟

ان كان الأمر هكذا فلنتناقش، لكى ما نرى هل يقدر هذا الايمان أن يخلصهم حسبما تعجب يعقوب الرسول.
9- الإيمان والمحبة



ان الذين يقولون أن الإيمان وحده هو الذي يبرر الإنسان، ويوقفون الإيمان كعنصر قائم بذاته بعيدا عن الأعمال، هؤلاء لا أوقفهم أنا، بل يوقفهم بولس الرسول أمام آية جبارة هى قوله: (أن كان لى الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئا) (1 كو 13: 2).. فهل تريدون إيمانا أكثر من هذا..؟

وأنت أيها الأخ، مهما ارتفعت فى الإيمان، ما هى أقصى درجة ستصل اليها..؟ هل ستصل إلى كل الإيمان الذي ينقل الجبال..؟

صدقنى، حتى لو وصلت الى هذه الدرجة أيضا، وليست لك محبة، فلست شيئاً! لا يستطيع هذا الإيمان أن يخلصك أنت....! إن كان بولس الرسول بكل إيمانه ليس شيئا بدون المحبة، فكم بالأولى أنت.

لهذا فان الرسول وضع المحبة فى درجة أعظم من الإيمان. اذ قال: (أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة وأعظمهن المحبة) (1كو 13: 13).

10- المؤمنون و المُختارون



قلنا إن الإيمان ينبغى أن يكون إيمانا حيا وإيمانا عاملا بالمحبة ولكن البعض يبالغ أحيانا في تعريف كلمة المؤمنين، حتى ترادف كلمة (المختارين).

وهكذا ينادى أمثال هؤلاء بأن المؤمن لا يمكن أن يهلك، وإذا سمعوا أو قرأوا عن مؤمن قد هلك يقولون أن هذا لم يكن مؤمنا حسب مفهموهم الخاص!! لا شك أن المختارين لا يمكن أن يهلكوا. ولكن من قال أن المؤمنين هم المختارين؟!

إن الكتاب المقدس أعطانا معانى كثيرة لكلمة الإيمان: فذكر مرة: الشياطين يؤمنون ويقشعرون (يع 2: 19 ). وقال بولس الرسول في تعريفه للايمان أنه هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى (عب 11: 1).

وقد شرح لنا الكتاب أن هناك نوعا من الإيمان الميت.

ومع انه ميت إلا أن الرسول سماء إيمانا. كما أعطانا مثلا عن الإيمان الخالى من الأعمال الذي لا يقدر أن يخلص أحداً، ألا أن الرسول سماء إيماناً

وقد ذكر الكتاب أن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله (رو 3: 12) فهل الجميع لم يكونوا مؤمنين، وقد خلت الأرض من الإيمان؟! أم أن الله أطلق لقب الإيمان حتى على الذين يخطئون وهم مؤمنون.

أن أمثال هؤلاء الخطاة لم يحرمهم الرب من لقب المؤمنين.

فقد قال الرب على لسان أرميا النبى (شعبى عمل شرين: تركونى أنا ينبوع المياه الحية، لينقروا لأنفسهم آباراً، آباراً مشققة لا تضبط ماءاً.. شعبى قد نسينى أياماً بلا عدد) (أر 2: 13، 22) ومع كل هذا سماهم شعبه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). كما قال على لسان أشعياء النبى: (ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على) (أش 1: 2) فعلى الرغم من عصيانهم سماهم بنين. ويذكرنا هذا بما قاله عن الابن الضال (ابنى هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد) (لو 15: 24).

فعلى الرغم من ضلاله وموته الروحى سماه ابنا.

وفيقول الرسول (وان كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئاً) (1 كو 13: 2) دليل آخر على إطلاق حالة الإيمان على الإنسان الخالى من المحبة الذي هو ليس شيئا ً.

بل ان الرب أطلق لقب المؤمنين على الذين يشبهون البذار التي سقطت على الصخر ولما نبتت جفت. فقال: (والذين على الصخر هم الذين على الصخر ولما نبتت جفت. فقال: (والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل، فيؤمنون إلى حين، وفى وقت التجربة يرتدون) (لو 8: 6، 13).

وطبعا هؤلاء المرتدين لا يمكن أن نسميهم مختارين مع أن السيد المسيح له المجد فيهم بأنهم كانوا مؤمنين إلى حين. ويشبه هؤلاء طبعاً الذين قال عنهم الرسول: (ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين) (1تى 4: 1). وطبعا هؤلاء لا يمكن أن نسميهم مختارين مع انهم عاشوا في الإيمان قبل أن يرتدوا.

لعله قد وضح الآن كثيرا بأن هناك فرقا بين الكلمتين. إن كل المختارين مؤمنون ولكن ليس كل المؤمنين مختارين، إذ قد يرتد بعضهم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين.

على أن هذه النقطة أيها الأحباء لنا رجعة إليها بعد حين،نتركها الآن قليلا لكى نتحدث عن الشرط الثانى للخلاص والمدخل الأساسى له وهو المعمودية
12- ممارسة المعمودية منذ البدء


هذا المبدأ أسسه السيد المسيح (من آمن واعتمد خلص) اتبعته الكنيسة منذ البدء، ففى يوم الخمسين بعد أن وقف بطرس الرسول رافعا صوته بكلمة الإيمان، ونخس السامعون في قلوبهم، (قال لهم بطرس: توبوا ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 37، 38) وهذه الآية صريحة في أنه يكون بالمعمودية مغفرة الخطايا. وكيف يخلص الإنسان بدون مغفرة خطاياه؟! إذن فالمعمودية لازمة لخلاص الإنسان، فبها تغفر خطاياه. وبها يمهد لقبول الروح القدس.

وعطية الروح القدس، ننالها فى السر الثانى من أسرار الكنيسة، سر المسحة المقدسة، أو سر الميرون. والآية السابقة تدل على هذه المعانى كلها.

فى يوم الخمسين بعد أن تكلم بطرس عن المعمودية (قبلوا كلامه بفرح، واعتمدوا، وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة ألاف نفس)

فلو كان الإيمان وحده يخلص الإنسان ماذا كانت الحاجة إلى أن يعتمد في يوم واحد 3000 نفس؟! ما كان أسهل أن يقول لهم الرسل: (ما دمتم قد آمتم أيها الأخوة، فاذهبوا على بركة الله، هذا يكفى، لقد خلصتم وانتهى الأمر..)!!

وهكذا نرى أيضا أن الخصى الحبشى بعد أن آمن على يد فيلبس، قال له مباشرة ماذا يمنع أن أعتمد؟) (أع 8: 36). وهكذا نزل به فيلبس إلى الماء فعمده.. وذهب في طريقه فرحاً.

وسجان فيلبي الذي آمن على يدى بولس وسيلا (اعتمد في الحال هو والذين له أجمعي) (أع 16: 33).

وكرنيليوس أيضا الذي ظهر له ملاك الله، وقال له صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام الله، هو أيضا بعد أن كلمه بطرس بكلمة الحياة، وبعد أن حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة (حينئذ أجاب بطرس: أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا وأمر أن يعتمدوا باسم الرب) (أع 10: 47، 49).

وليديا بائعة الأرجوان، لما آمنت على يد بولس الرسول (اعتمدت هى وأهل بيتها) (أع 16: 15)

جميلة تلك العبارة التي قالها بولس الرسول عن العماد (لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح) (غلا 3: 27). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). اذن في المعمودية يلبس الإنسان المسيح. أى خلاص أعظم من هذا..

أن المعمودية هى الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الخلاص، والإيمان تمهيد لها.

نقول هذا لأن كثيراً من البروتستانت يظنون أن الإنسان يكفيه أيمانه ليخلصه..! أو يظنون أن الميلاد الثانى يأتى بالإيمان وليس بالمعمودية! لا يرون أن المعمودية هى الميلاد الثانى، على الرغم من صراحة الآية بغسل الميلاد الثانى (تى 3: 5)!!

وأيضا على الرغم من قول الرسول في رسالته إلى أفسس (أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها، لكى يقدسها مطهراً أياها بغسل الماء بالكلمة، لكى يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها) (أف 5: 25، 26).

(لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة).. والبروتستانت العبارة معناها يقدسها بالكلمة! تاركين ومن إليهم يدعون أن هذه عبارة غسل الماء كأن لا معنى لها..

ان (الكلمة) هنا تعنى التبشير. فماذا تعنى عبارة (غسل الماء)؟ تعنى المعمودية التي يصل إليها الإنسان بالتبشير أى بالكلمة. وهكذا تنطبق وصية السيد المسيح (تلمذوهم.. وعمدوهم..). (تلمذوهم) بالكلمة. (وعمدوهم) بغسل الماء.

13- شرح "أهمية المعمودية" لاهوتياً



ما هو جوهر التعليم المسيحى عن المعمودية كوسيلة للخلاص. لماذا هى لازمة للخلاص؟ ولماذا لا يمكن لأحد أن يخلص بدونها؟ المسألة واضحة جداً، نشرحها فيما يلى:

يقول الكتاب (أجرة الخطيئة هى موت) رو 6: 23) اذن لابد من الموت، ولابد أن طريق الخلاص يبدأ بالموت.. ويستمر الخلاص بالموت.. وآخر مرحلة للخلاص تأتى بالموت.

يبدأ الخلاص بالموت، وينتهى بالموت، ويستمر بالموت، لأن أجرة الخطيئة هى موت.

فما معنى هذا الكلام؟

أ- بدأ الخلاص بالموت

ب- يستمر الخلاص بالموت

ج- يتم الخلاص بالموت


14- بدأ الخلاص بالموت


بدأ الخلاص بموت المسيح على الصليب، حيث دفع ثمن الخطيئة،

واشترانا بدمه. وكيف يصل إليك الخلاص؟ يصل إليك بالموت. وكيف ذلك..؟ المسيح بموته أعطى الخلاص.

ولكى يكون لك أنت نصيب في هذا الخلاص، لابد أن تشترك مع المسيح في موته:

تموت مع المسيح، وتقوم معه، لكى تتمجد معه. ولذلك يقول بولس الرسول (لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه، متشبها بموته) (فى 3: 10).

إن لم تدخل في هذا الموت، يلحقك الموت الثانى الذي هو العذاب الأبدى في بحيرة النار (رؤ 20: 14)

وكيف تدخل في هذا الموت؟ كيف تشترك مع المسيح في موته؟ إن ذلك يتم بالمعمودية. ولهذا يقول بولس الرسول (أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح، اعتمدنا لموته. فدفنا معه بالمعمودية للموت.. (رو6: 3، 4).

وموتنا مع المسيح، ودفننا معه، هو الذي يجعلنا نشترك معه في أمجاد قيامته. ولذلك يقول بولس الرسول (لأنه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضا بقيامته.. فان كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضا معه) (رو 6 5، .



نلخص الموضوع اذن في الكلمات الآتية:
أجرة الخطيئة هى موت. فلابد أن يموت الإنسان ويدفن.. ولكن المسيح قد مات عنا. وعلينا أن نشترك معه في موته، حتى لا نكون بعيدين عن استحقاقات موت المسيح.

لا يجوز أبداً أن نترك المسيح يموت وحده عنا، دون أن نشترك معه في موته، أو على الأقل نتشبه بموته، ندخل في شركة آلامه متشبهين بموته) وهكذا قال الرسول: (متنا معه.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). دفنا معه.. قد صرنا متحدين معه بشبه موته.. انساننا العتيق قد صلب معه.. فان كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه) (رو 6: 3 – 

وهذا الموت شرحه الكتاب أنه يتم بالمعمودية. نغطس فيها تماما كأننا ندفن في جرن المعمودية، كما قال بولس: (دفنا معه بالمعمودية للموت) (رو 6: 4). ثم نقوم من هذا الماء في جدة الحياة) (عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب ليبطل جسد الخطيئة).

المعمودية إذن لازمة للخلاص، لأنها شركة في موت المسيح، لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة، واعتراف بأن أجرة الخطيئة هى موت.

إن الذين يقولون أن الخلاص يتم بمجرد الإيمان وحده، بدون معمودية، لم يفهموا بعد ما هو الإيمان. فلنحاول أن نناقش الأمر معا لنفهمه.

ما هو الإيمان..؟ هو أن تؤمن أن الخطيئة أجرتها الموت، وتؤمن أن المسيح قد مات عنك، وتؤمن أنك يجب أن تموت معا لتحيا أيضاً معه.. وهكذا يقودك الإيمان إلى ما قلناه:

قلنا أن الخلاص قد بدأ بالموت. موت المسيح. هذا هو الخلاص الذي قد قد دفع ثمنه، وقلنا أننا بدأنا أن نحصل على هذا الخلاص بالموت، إذ متنا مع المسيح ودفنا معه بالمعمودية. هذا هو الخلاص الذي نلناه.

نقول أيضاً أن هذا الخلاص يستمر بالموت.
18- سر المسحة المقدسة


ولما دعا بطرس اليهود للمعمودية، قال لهم: (توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس) (أع 2: 38). فما هى عطية الروح القدس هذه..؟ وهل هى لازمة في حياتنا للخلاص وما أهميتها وهل يمكن أن نخلص بدونها.

لا يمكن إطلاقا أن نخلص بدونها، لأن حياتنا الروحية كلها هى عبارة عن استجابة إرادتنا لعمل الروح القدس فينا. وإن كنا لا نأخذ عطية الروح القدس، فباطلة وهالكة هى حياتنا عن هذه النعمة التي أخذناها من سر المسحة المقدسة نصرخ باستمرار ونقول: (روحك القدوس لا تنزعه منا،) والا هلكنا.

إن حياتك الروحية لا تعتمد مطلقا على ذراعك البشرى، وإنما هى شركة الروح القدس كما سنشرح في الفصل الخاص بالجهاد والنعمة.

لابد إذن من سر المسحة المقدسة، تلك التي تكلم عنها يوحنا الرسول فقال: (وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ) (وأما المسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ، وهى حق) (1 يو 2: 20،

لكى تعرف أهمية الروح القدس لخلاصك، نسأل سؤالا وهو: هل تستطيع أن تحيا حياة روحية بدون عمل الروح القدس فيك..؟ هل تستطيع أن تسير في طريق الخلاص بدون عمل الروح القدس معك..؟ لا يمكن. إذن لابد من المسحة.

لذلك أهتم الرسل بعطية الروح القدس للمؤمن، وكانوا ينالونها في بادئ الأمر بوضع أيدى الرسل، قبل أن يستخدم الميرون.

نرى ذلك واضحاً في قصة إيمان السامرة،

حيث اعتبرت مكملة للايمان والعماد، يقول الكتاب: (ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا، اللذان لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس؟ لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). حينئذ وضعا الأيادى عليهم، فقبلوا الروح القدس) (أع 8: 14 – 17)..

إذن لم تكن المعمودية كافية لأهل السامرة، بل كان لابد لهم أن يقبلوا الروح القدس.

نفس الكلام أيضاً. يمكن أن يقال عن إيمان أهل أفسس.

لما ذهب بولس هناك وجد تلاميذ. فقال لهم: (هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم..؟ قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس) (أع 19: 2، 3) إذ كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا فقط. فلما كلمهم بولس: (اعتمدوا باسم الرب يسوع. ولما وضع بولس يديه عليهم. حل الروح القدس عليهم).

إننا بالمعمودية نشترك مع المسيح في موته، وننال البنوة. وبالروح القدس نحيا الحياة اللائقة بنا كبنين وكلا الأمرين لازم لخلاصنا.


19- سر الإفخارستيا | التناول


لكى ندرك أهمية التناول من جسد الرب ودمه، يكفى من باب الاختصار أن نذكر قول المسيح: (الحق الحق أقول لكم! إن لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدى ويشرب دمى، فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير.. من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه) (يو 6: 53 – 58). هنا نرى الحياة الأبدية متعلقة بالتناول من جسد الرب، بحيث أن الذي لا يتناول لا تكون له حياة، أى يهلك.. أتسأل بعد هذا عن لزوم التناول للخلاص؟ ‍‍!




Image: Coptic Priest and a Deacon in the Holy Liturgy, by T Sawsan

صورة: كاهن قبطي وشماس - رسم ت سوسن

إن كنا أرثوذكسى ونؤمن بالإيمان الأررثوذكسى، فنحن إذن نؤمن بما نقوله في القداس الإلهى عن جسد الرب الذى نتناوله: (يعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا، وحياة أبدية لكل من يتناول منه) أيسأل أحد ويقول: (هل ممكن الخلاص بدون تناول؟ أقول كلا، لا يمكن. لأن جسد الرب يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه.



فكيف نشرح هذا من الناحية اللاهوتية..؟
إن المعمودية قد خلصتك من الخطيئة الأصلية، وهذا هو الخلاص الأول الذي نلته. والمعمودية قد صيرتك ابنا لله وجعلتك مستحقاً لنوال استحقاقات الدم. ولكنك في كل يوم تخطئ، وتحتاج أن تمحى خطيئتك بالدم (إن قلنا أنه ليس لنا خطيئة، نضل أنفسنا وليس الحق فينا) (1يو 1: أنت إذن في كل يوم تخطئ وتحتاج إلى جسد المسيح المذبوح عنك. تحتاج إلى الذبيحة المقدسة كفارة لخطاياك. وما الذبيحة المقدسة في سر الافخارستيا سوى امتداد لذبيحة المسيح. لذلك لا يمكن أن تخلص من خطاياك بدونها، هذه التى تعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). كما أن بها نثبت في الرب كما قال.

قد يأتيك إنسان ويقول لك: أتريد أن تخلص..؟ اطرح نفسك تحت قدمى المسيح، وقل له: افبلنى يا يسوع!! هذا الكلام يا اخوتى يحتاج إلى اجراءات تنفيذية.. أتريد أن يقبلك المسيح..؟ هناك طريق للخلاص يقبلك به: تموت مع المسيح وتدفن معه بالمعمودية فيقبلك. تمسح بالروح القدس فيقبلك. تأكل جسده وتشرب دمه لكى تثبت فيه وهذا يقبلك. تعترف بخطاياك فيقبلك..

هذا هو الطريق العملى الذي يقبلك بها الرب. أما أن تطلب منه قبولك دون أن تسير في طريقه الذي رسمه، فهذا كلام لائق.

وبالمثل نقول عن عبارة (سلم حياتكم ليسوع)..! ما أسهل أن يلفظ إنسان مثل هذا الكلام، وما اصعب أن ينفذه..! هل تظنون تسليم الحياة شئ هين؟! إن كل جهادنا الروحى يتركز في هذه العبارة (تسليم الحياة)! ففيها يسلم الإنسان إرادته للرب، ويسلم قلبه وعواطفه، ويسلم الإنسان إرادته للرب، ويسلم قلبه وعواطفه، ويسلم عزيمته، ويسلم فكره.. أى يعمل أعمالاً تليق بالتوبة.

وإن كنا نتكلم عن سر الافخارستيا فلابد أن نسبقه بكلام عن سر التوبة.20- سر التوبة


هل تلزم التوبة للخلاص..؟ نعم بل انه بدون التوبة لا يكون لك خلاص.. لعلك تسأل: كيف هذا..؟ اننى آمنت وتعمدت وتبررت.... نعم انك قد تعمدت، ونجوت من الخطيئة الأصلية، ولكن ماذا عن خطاياك الفعلية التي ترتكبها كل يوم، أين تهرب منها؟ وكيف تهرب منها؟

هل الإيمان والمعمودية يجعلانك لا تخطئ بعدهما أبدأ؟! كلا بلا شك. هوذا يوحنا الرسول يقرر بأنه (إن قلنا إنه ليس لنا خطيئة نضل أنفسنا وليس الحق فينا) (1 يو 1:. وذلك لأنه (ليس أحد صالحاً الا واحد وهو الله) (مت 19: 17). لأننا لإى أشياء كثيرة نعثر جميعنا) (يع 3: 2) وليس أحد لا خطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض كما نصلى في أوشية الراقدين.. فماذا نقول عن هذه الخطايا كلها..؟ كيف يخلص منها الإنسان..؟ أليس بالتوبة..؟

لعل أحد يهمس في أذنك قائلا: (آمن فقط.. آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك).. ‍‍! إن هذه الآية أيها الأخ الحبيب قد قلناها فيما مضى قبل المعمودية. أما عن خطاياك بعد المعمودية فينصحك بخصوصها يوحنا الرسول قائلاً ك (إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم) (1يو 1: 9). وعنها يقول الكتاب: (من يكتم خطاياه لا ينجح.. ومن يقر بها ويتركها يرحم) (أم 28: 13).. من أجل هذا وضعت لنا الكنيسة المقدسة سر التوبة.

فما دام الإنسان المؤمن معرضاً للسقوط في كل وقت، ومعرضاً للهلاك بخطيئته على الرغم من إيمانه، وما دام الإنسان في حرب دائمة ضد الخطيئة كثيراً ما يزل فيها ويعثر ويسقط كل يوم، لذل وضع الله لنا التوبة نتجدد بها ونتطهر ونغتسل من خطيتنا. والتوبة عمل لا ينكر أحد من البروتوستانت أهميته ولزومه ويدخل في التوبة الندم والنوح والاعتراف والعزيمة على ترك الخطيئة، وكلها أعمال.

لا أقول أنه بالتوبة وحدها يخلص الإنسان، فالتوبة بدون دم المسيح لا فائدة منها. ولكنى أقول ان التوبة تجعل الإنسان مستحقاً لأن يغتسل وتطهر بدم المسيح فيخلص.

دم المسيح مثل كنز عظيم، ولكننا نقترب إليه بالتوبة، ونأخذ منه فنغتنى. أما اذا لم نستعمل التوبة، فان الكنز يبقى كنزا محتفظاً بقيمته، ونبقى نحن بعيدين عنه، فقراء نهلك جوعا0 حنان الأب موجود، والثوب الجديد موجود والعجل المسمن موجود، ولكن على الابن الضال أن يقترب الى الآب بالتوبة ليحظى بكل هذه.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). فلنعترف اذن بأن: (الله أعطى الأمم التوبة للحياة) (أع 18).

إن أهمية التوبة يوضحها قول السيد المسيح له المجد: (إن لم تتوبوا، فجميعكم كذلك تهلكون) (لو 13: 3).

فهذه الآية تدل على أن التوبة وسيلة للخلاص تنجى من الهلاك، وتدل أيضا على أنه بدون التوبة يهلك الإنسان الخاطئ. (فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل) (أع 17: 30). وليس أن يتوبوا فقط، وإنما يتبع ذلك أيضاً أن يعملوا (أعمالا تليق بالتوبة) (أع 26: 20).

هذه التوبة ينادى بها الرسل والقديسين كوسيلة للخلاص من الهلاك المعد للخطاة.

فبطرس الرسول يقول عن الله أنه (يتأنى علينا، وهو لا يشاء أن يهلك أناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ) (2 بط 3: 9) فهنا مقابلة بين التوبة والهلاك، تعنى أن من يقبل إلى التوبة يخلص وينجو من الهلاك، والعكس بالعكس..

وبولس الرسول يشرح الغضب المعد لغير التائبين الذين يتعرضون لدينونة الله العادلة فيقول: (أم تستهين. بغنى لطفه وامهاله وطول أناته، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة. ولكنه من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنف

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق